نبيل أبوالياسين: عندما تصمت المبادئ وتتحدث القوة .. سفينة مادلين تختطف والعالم يتفرج
جريدة موطني

نبيل أبوالياسين: عندما تصمت المبادئ وتتحدث القوة .. سفينة مادلين تختطف والعالم يتفرج
في زمن تتراقص فيه الشعارات الإنسانية على ألسنة القوى الكبرى، وتُرفع رايات العدالة في المحافل الدولية، تبرز حقيقة صادمة: أن هذه الشعارات تصبح مجرد حبر على ورق عندما تتعارض مع المصالح السياسية، فبينما تتصاعد أصوات الاستنكار والإدانة لجرائم الحرب في أماكن مختلفة من العالم، تظل مأساة قطاع غزة أسيرة الصمت الدولي المريب والتواطؤ المخزي. الحصار الجائر الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، والذي يحصد أرواح الأبرياء ببطء، لم يعد مجرد قضية إنسانية، بل أصبح فضيحة أخلاقية تكشف هشاشة المنظومة الدولية، وتفضح ازدواج
ية المعايير لدى من يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان.
الحصار كسياسة: التجويع سلاح إبادة بطيء
إن ما يعانيه سكان قطاع غزة ليس مجرد حصار، بل هو سياسة ممنهجة للتجويع والتركيع، تحوله إلى سجن كبير مفتوح على مصراعيه للألم والمعاناة. المستشفيات تفتقر إلى أبسط المستلزمات الطبية، الأطفال يموتون بسبب سوء التغذية، والأدوية شحيحة، بينما العالم يكتفي ببيانات الشجب الخجولة، وهذه ليست حوادث فردية، بل هي نتاج لسياسة احتلالية تهدف إلى كسر إرادة شعب وتفريغ أرضه من سكانها، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية التي تحرم العقاب الجماعي.
“مادلين” ليست مجرد سفينة: صرخة في وجه الصمت
لم تكن سفينة “مادلين” مجرد وسيلة لنقل المساعدات، بل كانت رمزاً حياً لصحوة الضمير الإنساني في وجه الظلم. اعتراضها في المياه الدولية، واحتجاز طاقمها الذي ضم نشطاء وصحفيين وشخصيات عالمية، لم يكن مجرد عمل قرصنة، بل كان رسالة واضحة من الاحتلال بأنه لا يكترث للقوانين الدولية أو للضمير العالمي. كيف يمكن لدولة تدعي الديمقراطية أن تعترض سفينة تحمل حليب أطفال وحفاضات؟ هذا التناقض الصارخ لا يفضح إسرائيل وحدها، بل يفضح الصمت المريب للمجتمع الدولي الذي يغض الطرف عن هذه الجرائم المتكررة.
أوروبا بين المبادئ والمصالح: تراجع مذل
لقد كشفت المواقف الأوروبية، وتحديداً الفرنسية والبريطانية، عن ازدواجية معايير مفزعة، فبينما تتحدث هاتان الدولتان عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، نراهما تتراجعان عن أبسط الخطوات الداعمة للعدالة، مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، تحت وطأة الضغوط، وهذا التراجع المذل ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو خيانة للمبادئ التي طالما تغنتا بها، ويقوض أي مصداقية لهما كدولتين فاعلتين في بناء نظام عالمي عادل. إن الصمت على جرائم الاحتلال يعادل التواطؤ، ويمنح إسرائيل ضوءاً أخضر للاستمرار في انتهاكاتها.
الضمير العالمي يصحو ببطء: حركات تضامنية رغم القمع
رغم كل محاولات التعتيم والقمع، فإن أصوات الضمير الحر لا تزال تصدح في كل مكان. القوافل التضامنية التي تنطلق من مختلف أنحاء العالم، والمظاهرات الحاشدة التي تخرج في العواصم الكبرى، والبيانات الصادرة عن المنظمات الحقوقية والإنسانية، كلها دليل على أن شعلة المقاومة لا تنطفئ، وأن الوعي بفظاعة ما يحدث في غزة يتزايد يوماً بعد يوم، وهذه الحركات الشعبية، التي تتحدى السكوت الرسمي، هي الأمل الأخير في كسر جدار الصمت، ودفع الحكومات لتبني مواقف أكثر جرأة ونزاهة.